القناع الأصفر: متى يُسقط الفنانون احتقارهم للتهامي؟
الموجز- كتبه بسام جوهر
منذ زمنٍ وأنتم تُجمّلون قبح الاستعلاء بابتسامةٍ متصنّعة. تضعون على ملامحكم قناعًا من “الوطنية”، وتخفون تحته احتقارًا موروثًا لكل ما هو تهاميّ، وكأن تهامة عارٌ في جغرافيا اليمن، أو نغمةٌ نشاز في موسيقى البلاد. هكذا تنظرون إلينا وإن أبديتم منظراً مطلياً باحترامٍ زائف لن تمحوه ابتساماتكم الصفراء. هكذا تتعاملون معنا وإن أضمرتم استهزاءكم بنا. ثم وهكذا تحوّل الفن عندكم من رسالةٍ إلى إساءة، من إبداعٍ إلى امتهان. صرتم توثّقون السخرية، تحفظونها في أعمالكم، لتتوارثها الأجيال كأنها جزء من تاريخ اليمن الثقافي. كأن التنمّر على لهجةٍ يمنية صار إرثًا يُعلّم في المعاهد الفنية، وكأن الكرامة يمكن أن تُضحّى بها في سبيل “نكتةٍ” تجلب التصفيق.
أتعلمون ما تفعلون؟ أنتم تصنعون جيلاً يكره نفسه، جيلاً سيُعيد إنتاج الكراهية ذاتها، جيلاً يرى أن التهامي أدنى، وأن الضحك على اللهجات بطولة، وأن الفن سلاح يُشهر في وجه الضعفاء.
اعترفوا! كم مرة ضحكتم؟ كم مرة مرّت عليكم وثيقة فنية، بائسة ومتكلّفة، على شاكلة مسلسل “همي همك” أو تقليد مبتذل كتقليد خالد الجبري، ليجدوا في اللهجة التهامية، الغنية ككنوز الأجداد، مادة رخيصة للسخرية؟ أنتم، أيها القارئ، عندما مررتم مرور الكرام على هذا التشويه، كنتم تزرعون بذور الألم في تربة المستقبل.
مسلسلكم التلفزيوني المُبتَذَل همي همك لم يكن مجرد عملٍ دراميٍّ عابر، بل علامة سوداء في الذاكرة اليمنية. لقد وثّقتم فيه احتقاركم بمهارةٍ تُحسدون عليها. جعلتم التهامي أضحوكة، حتى صدّق البعض أن التهامي هكذا فعلًا: بسيطٌ حدّ السذاجة، طيبٌ حدّ الغباء، متلعثمٌ لا يفقه لغته. أي إبداعٍ هذا الذي يُشوه الإنسان ليضحك عليه؟ وأي فنٍّ هذا الذي يُسهم في تقسيم الوطن إلى طبقاتٍ لغويةٍ؟
تذكروا جيدًا. حين يُصبح الفن وسيلةً للإهانة، سيسقط احترام الناس للفن. وحين يُهان الإنسان في وطنه، لن يبقى للوطن معنى. فما فعلتموه تشويه متعمّد في ذاكرة الوطن عبر عن فن يوثّق لتهامة والتهاميين.
ألا تدركون أن الفن، الذي من المفترض أن يكون رسالة سماوية تصعد بنا إلى سماء الإبداع، قد تحوّل في أيادي البعض إلى أداة لتقنين الإساءة وتوثيقها؟ لقد أصبح الإبداع هنا هو فن تخليد التنمّر؛ وثيقة تُعَلّم الأجيال القادمة كيف تُحسِن السخرية، بالرجوع إلى “فنيات” جاهزة ومُجَرّبة!
باعوم .. عودة الرمز لا الحدث ::
الموجز – خاص – أ ماهر باوزير نشرنا قبل أكثر من أسبوعين خبراً حول العودة القريب…



