‫الرئيسية‬ مقالات هبة حضرموت الثالثة.. ماذا بعد؟
مقالات - أكتوبر 7, 2024

هبة حضرموت الثالثة.. ماذا بعد؟

ماهر باوزير

الإثنين الموافق
7 أكتوبر 2024 م

مع انطلاق “هبة حضرموت الثالثة”، تزداد التساؤلات حول مستقبل المحافظة في ظل التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها وتأتي هذه الهبة كنتاج لحالة من الاحتقان الشعبي المتزايد نتيجة التهميش الطويل وسوء استغلال الثروات المحلية .
حضرموت، المحافظة الغنية بالموارد الطبيعية، تعيش أزمة هيكلية تعكس خللاً في توزيع الثروات، مما أدى إلى تدهور الأوضاع المعيشية للسكان، وزيادة معدلات البطالة والتهميش. السؤال الذي يطرحه الجميع الآن هو :
هل ستنجح هذه الهبة في تحقيق تغيير حقيقي ومستدام، أم أنها ستكون مجرد محطة أخرى في سلسلة الاحتجاجات التي لم تصل إلى حلول جذرية؟

التحديات الاقتصادية تلعب دوراً رئيسياً في تأجيج الأوضاع، إذ إن الثروات النفطية وغيرها من الموارد الطبيعية لم تحقق التنمية المستدامة المرجوة، بل أصبحت مصدراً للصراع والنفوذ بين الأطراف المختلفة. في ظل غياب إدارة جيدة للموارد، تبقى المحافظة رهينة للفقر والبطالة، مما يجعل الأمل في تحقيق حياة أفضل بعيد المنال للكثير من الشباب. هذا الوضع يولد إحباطاً عميقاً لدى الأجيال الجديدة، الذين يشعرون بأنهم لا يملكون مستقبلاً واضحاً، وهذا ما يدفع الكثيرين للانضمام إلى حركات الاحتجاج أو حتى التوجه نحو اي دعوات تبحث عن تغيير للوضع .
لكن المسألة ليست اقتصادية فقط، فالدور الإعلامي يلعب دوراً كبيراً في تعقيد المشهد. وسائل الإعلام المحلية والإقليمية تسهم في تضخيم الصراعات أو توجيه الغضب الشعبي نحو أجندات معينة، وهذا ما يجعل “هبة حضرموت الثالثة” عرضة للاستغلال الإعلامي من أطراف تسعى لتحقيق مكاسب خاصة. هذا التضليل الإعلامي يجعل من الصعب التمييز بين المطالب الشعبية الحقيقية والأجندات التي قد تكون بعيدة عن مصلحة الحضارمة .
في هذه المرحلة، تقع مسؤولية كبيرة على النخب الحضرمية والقوى السياسية والاقتصادية المحلية مدعوة للتحرك بفاعلية لحل الأزمات، سواء عبر تقديم حلول واقعية للمطالب الشعبية أو بالتفاوض مع السلطات المركزية للحصول على مكاسب ملموسة ، إن ضعف النخب المحلية أو تواطؤها مع قوى خارجية قد يزيد من تعقيد الوضع ويعرقل أي جهود للتغيير الإيجابي ، هذه المرحلة تتطلب من القيادات المحلية توحيد الصفوف وتقديم رؤية واضحة تعكس تطلعات الشعب، بدلاً من الانشغال بالمصالح الشخصية أو الإقليمية .
من الجانب الإقليمي والدولي، حضرموت ليست بمنأى عن المنافسات الدولية ، القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، الصين، وروسيا تنظر إلى المحافظة باعتبارها منطقة استراتيجية، وتسعى للحفاظ على نفوذها فيها هذا التدخل الدولي يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى المشهد، حيث يمكن أن تصبح حضرموت ورقة ضغط في صراع إقليمي ودولي أكبر. هذه الديناميكيات تجعل من الصعب الوصول إلى حلول محلية بحتة، لأن أي تسوية قد تكون متأثرة بالتوازنات الإقليمية والدولية .
في الوقت نفسه، تزداد المخاوف من تحول الهبة الحالية إلى صراع مسلح إذا لم تتم إدارتها بحذر مع تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، ووجود جماعات مسلحة تسعى لاستغلال الموقف، هناك خطر حقيقي من أن يتحول الغضب الشعبي إلى صراع مفتوح و الحلول السياسية السريعة والمستدامة أصبحت ضرورة ملحة لتجنب الفوضى والحفاظ على استقرار المحافظة .
في هذا السياق، يبرز النقاش حول مستقبل حضرموت وإمكانية تحقيق حكم ذاتي أو فيدرالية كحل طويل الأمد ، هذا الخيار قد يمنح المحافظة مزيداً من السيطرة على مواردها ويضمن توزيعاً عادلاً للثروات، لكن تطبيقه يتطلب توافقاً بين مختلف القوى المحلية والقبائل ، النقاش حول هذا الموضوع يجب أن يكون شاملاً ويأخذ بعين الاعتبار مخاوف الجميع لضمان نجاح أي نموذج حكم مستقبلي .

في النهاية، تظل “هبة حضرموت الثالثة” تعبيراً عن حاجة ملحة للتغيير، لكنها تقف أمام مفترق طرق ، نجاح الهبة في تحقيق أهدافها يعتمد بشكل كبير على قدرة القوى المحلية على التوحد والتنسيق، وكذلك على مدى استجابة السلطات المركزية للمطالب الشعبية ، في ظل التغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة، يبقى مصير حضرموت مرهوناً بقدرتها على إدارة أزماتها الداخلية بحكمة وتجنب الانزلاق نحو الفوضى أو الصراعات المسلحة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

من خلف الخيمة

قلناها لكل من ظننا ان بهم حكمة تجعلهم يتقبلون النقد و دفعنا الثمن ، ونقولها اليوم للأخوة ف…