مجلس حضرموت الوطني .. بين طموحات التأسيس والتحديات السياسية القادمة :
الاستاذ ‘ ماهر باوزير
في ظل التغيرات السياسية والاقتصادية التي تشهدها حضرموت، برز مجلس حضرموت الوطني كمؤسسة سياسية جديدة في طور التأسيس، ولم يتحرك بعد على أرض الواقع. رغم عدم انطلاق العمل الفعلي حتى الآن، إلا أن التعيينات الأخيرة للأمين العام ومساعديه، وتشكيل دوائر الأمانة العامة، تطرح تساؤلات حول دور المجلس القادم، والتحديات التي تواجهه في ظل أوضاع متشابكة ومعقدة.
هذه التعيينات تمثل خطوة أولى نحو بناء الهيكل الإداري للمجلس، لكنها تضعه أمام تحديات كبيرة، منها ضرورة كسب ثقة أبناء حضرموت الذين يعانون من تدهور الأوضاع الاقتصادية وغياب الخدمات الأساسية. في الوقت الذي تبدو فيه التغييرات على الساحة الحضرميّة متسارعة، يبقى أمام المجلس مسؤولية التعامل مع الطموحات الشعبية من جهة، ومع قوى النفوذ المحلية والإقليمية من جهة أخرى. هذه المرحلة التأسيسية ستحدد الكثير بشأن مستقبل المجلس، وهل سيتمكن من الانتقال من مرحلة التأسيس النظري إلى تأثير فعلي على الأرض.
إن كسب تأييد الشعب يعد من أهم التحديات التي ستواجه المجلس في هذه المرحلة. أبناء حضرموت ينتظرون حلولًا ملموسة لمشاكلهم اليومية، ويرغبون في رؤية قيادة قادرة على إدارة ثروات المحافظة بشكل عادل ومنصف. هذا يتطلب تقديم رؤية سياسية واقتصادية واضحة تسعى لتحقيق تطلعاتهم، بعيدًا عن الصراعات الداخلية والاستقطابات السياسية التي تعرقل تطور المنطقة. بدون هذه الرؤية، قد يفقد المجلس الشرعية الشعبية التي يحتاجها ليكون فاعلاً ومؤثراً.
إلى جانب ذلك، يتعين على المجلس أن يوازن بين القوى السياسية المختلفة في حضرموت، فالمشهد السياسي الحضرمي مليء بالتعقيدات. هناك تيارات سياسية متنافسة، بعضها مدعوم من أطراف خارجية، وهناك صراعات نفوذ قد تجعل من الصعب تحقيق الاستقرار الداخلي. إذا لم ينجح المجلس في تحقيق توازن بين هذه القوى، فقد يصبح دوره شكلياً دون تأثير حقيقي. الأهم هنا هو خلق مساحة للحوار بين الأطراف المختلفة، والتركيز على القضايا المشتركة التي تخدم حضرموت ككل، بدلاً من الانغماس في صراعات جانبية لا طائل منها.
التحديات الاقتصادية تعد أيضًا اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة المجلس على تحقيق تقدم ملموس. حضرموت تمتلك موارد طبيعية هائلة، لكن الاستفادة من هذه الموارد تعترضها عقبات عديدة، من أبرزها سوء الإدارة والنزاعات المستمرة حول توزيع الثروات. المجلس بحاجة إلى تبني استراتيجيات اقتصادية تستفيد من ثروات حضرموت لتطوير البنية التحتية وتحسين مستوى معيشة المواطنين. في حال تمكن المجلس من تقديم حلول فعّالة لهذا الملف، فسيتمكن من تعزيز شرعيته وتعزيز موقعه كقوة سياسية.
علاوة على ذلك، تبقى العلاقات مع القوى الإقليمية تحدياً لا يقل أهمية. حضرموت تمثل منطقة استراتيجية هامة، وهو ما جعلها محط اهتمام دول إقليمية ودولية. التدخلات الخارجية قد تشكل عاملًا مؤثراً في رسم مستقبل المجلس، وعليه أن يكون حذرًا في بناء تحالفات أو علاقات دولية قد تؤدي إلى إضعاف دوره المحلي. استقلالية القرار السياسي للمجلس ستكون ركيزة أساسية لضمان أن تمثل خطواته مصالح أبناء حضرموت بشكل حقيقي، بعيدًا عن التأثيرات الخارجية التي قد تجر المجلس نحو أجندات لا تخدم المنطقة.
في ظل كل هذه التحديات، يظل الأمل موجوداً بأن يتحرك مجلس حضرموت الوطني بفعالية، ويستغل الفرص المتاحة أمامه. إذا تمكن المجلس من طرح رؤية مستقبلية قائمة على حل الأزمات الاقتصادية وتحقيق التوازن السياسي الداخلي والخارجي، فسيكون له دور محوري في مستقبل حضرموت. ومع ذلك، يظل الطريق مليئاً بالتعقيدات، ويحتاج المجلس إلى التعامل بذكاء ومرونة لضمان تحقيق نجاح على المدى الطويل.
بشكل عام، يعكس المشهد السياسي في حضرموت اليوم حاجة ماسة إلى كيان سياسي جديد قادر على تحقيق التغيير. التعيينات في مجلس حضرموت الوطني تمثل خطوة صغيرة في هذا الاتجاه، لكنها تحمل في طياتها إمكانيات كبيرة، إذا ما تم استغلالها بشكل صحيح. المجلس مطالب بالتحرك سريعًا لتأكيد حضوره على الأرض، والاستجابة لمطالب أبناء حضرموت الذين ينتظرون حلولاً حقيقية لأزماتهم المتفاقمة. في نهاية المطاف، النجاح أو الفشل سيتوقف على قدرة القيادة الجديدة على إدارة هذه التحديات المتشابكة وتحقيق مصالح حضرموت بعيدًا عن صراعات النفوذ والمصالح الضيقة.
من خلف الخيمة
قلناها لكل من ظننا ان بهم حكمة تجعلهم يتقبلون النقد و دفعنا الثمن ، ونقولها اليوم للأخوة ف…