اليمن .. الفوضى المنظمة بين سلطة غائبة ونفوذ مسيطر
ماهر باوزير
يمر اليمن بمنعطف تاريخي هو الأخطر في تاريخه الحديث، حيث تضاءلت قدرة الدولة على التحكم في الأحداث أو فرض سلطتها في معظم المناطق. هذا الوضع يفتح الباب أمام كيانات محلية ودولية للاستفادة من الفراغ المؤسساتي، وتوظيف الأزمات لصالح شبكات النفوذ المتعددة التي أصبحت هي الفاعل الرئيسي في رسم خريطة المشهد السياسي على الأرض .
مع انهيار مؤسسات الدولة، حلت هذه الشبكات محل الدولة في توفير ما يمكن تسميته بـ “خدمات السلطة البديلة”، التي تتمثل في إدارة الموارد المحلية وتقديم الحماية والأمن، ولكن تحت شروط قاسية تفرضها تلك الجهات أو هذه الجماعات، سواء كانت ميليشيات محلية أو قوى مسلحة تتبع أجندات خارجية، لا تسعى لبناء دولة وطنية موحدة بقدر ما تهدف إلى تحقيق مكاسب خاصة، مما يعمق الانقسام ويزيد من تعقيد الأزمة اليمنية .
لا يمكن الحديث عن غياب سلطة الدولة في اليمن دون الإشارة إلى الدور الإقليمي والدولي في هذا الصراع. فالتحالفات الخارجية أسهمت بشكل كبير في تغذية شبكات النفوذ المحلي. فبينما تدعي بعض القوى الإقليمية دعم الشرعية واستعادة الدولة، فإنها في الواقع تساهم بشكل مباشر في تعزيز مواقف الأطراف المحلية المتحالفة معها على حساب سيادة اليمن . هذا التدخل أوجد بيئة تتسم بالتنافس بين مختلف الأطراف، مما جعل استعادة الدولة المركزية شبه مستحيل في ظل تداخل الأجندات الخارجية.
واحدة من أهم الأساليب التي تستخدمها شبكات النفوذ في اليمن هي السيطرة على الموارد الاقتصادية المحلية، سواء كان ذلك من خلال تجارة النفط والغاز أو عبر التحصيل الضريبي وفرض الاتاوات على السكان ، هذا التحكم الاقتصادي يمنح هذه الشبكات قدرة أكبر على فرض إرادتها وخلق اقتصاد موازٍ يضعف الاقتصاد الوطني، مما يزيد من معاناة المواطن اليمني الذي يجد نفسه عالقًا بين سلطات متعددة ومتناقضة .
اليمن بحاجة إلى نهج جديد يعالج هذه الفوضى المنظمة التي خلقتها شبكات النفوذ. لا يمكن الاعتماد على الحلول العسكرية وحدها، فالأزمة تتطلب بناء مؤسسات قوية تكون قادرة على إعادة سيادة القانون، وإيجاد تسوية سياسية حقيقية تشمل جميع الأطراف .
في هذا السياق، يجب العمل على تقليص نفوذ الجماعات المسلحة والمصالح الأجنبية، وتفعيل دور المجتمع الدولي في تسهيل عملية إعادة بناء الدولة.
إن استمرار غياب الدولة عن المشهد السياسي يهدد مستقبل اليمن ويقود إلى تقسيمات جديدة قد تكون أكثر تعقيدًا، حيث تسعى كل قوة لفرض نفسها كسلطة أمر واقع، مما قد يقود البلاد إلى صراعات طويلة الأمد. لذا، فإن إعادة بناء مؤسسات الدولة يجب أن تكون أولوية قصوى، ليس فقط لليمنيين، ولكن أيضًا للمجتمع الدولي الذي يجب أن يواجه مسؤولياته بعيدًا عن المصالح الأنانية.
من خلف الخيمة
قلناها لكل من ظننا ان بهم حكمة تجعلهم يتقبلون النقد و دفعنا الثمن ، ونقولها اليوم للأخوة ف…