لا تقم دولة إلا بركائزها.. وركيزتها الاحصاءات الرسمية
بقلم الاستاذ : سعيد أحمد بن اسحاق
لن تستطع الدولة في تحديد الاوضاع الحالية سواء كان فيما يتعلق بدخل الفرد أو البطالة أو معدلات النمو السكاني والاسكان وللمرافق الطبية والتعليمية وغيرها الكثير مالم تمتلك الدولة الاحصاءات الرسمية.. فلا غنى عن الاحصاء في التخطيط لأي دولة على المستوى الحكومي كل على حدة.. وايضا لا تلجأ المنظمات سواء كانت المدنية منها والدولية إلا الى التخطيط الناجع والفعال للوصول الى القرار السليم.. ولن يتحقق ذلك الا بالبيانات الاحصائية المتعلقة بالانتاج والاستهلاك والولادة والوفاة والاستثمار والدخل، ولذلك فإن الاحصاء ذو أهمية قصوى في التخطيط حيث يعد امرا ضروريا لجميع بلدان العالم وخاصة للاقتصادات النامية من اجل تنميتها الاقتصادية.. فأين نحن من دول العالم في ظل التجاوزات لاجل مال اكتسبه لجيبه الخاص، لا لاجل خطط ولا لاستراتيجيات صحيحة؟ الى متى هذا الفساد بالتلاعب بالبيانات الاحصائية وتجاوز مهام وصلاحيات جهاز الدولة والمتمثل بالجهاز المركزي للاحصاء؟ ألا يوجد لدينا أجهزة قانونية ورقابية لردع العشوائية والفساد والكسب الاناني؟!
إن مفهوم الاحصاءات الرسمية تقوم على اساس المبادئ الاساسية للاحصاء الرسمي للامم المتحدة التي تعزز بالمعايير المهنية والعلمية المحددة مع تحديد المحتوى وتحديد منتجي الاحصاء بشكل واضح وفقا للمواثيق والتوصيات المتفق عليها دوليا من أجل تعزيز الثقة وضمان الجودة العالية وإتساقها التي ينتجها عادة جهاز الاحصاء الوطني والكيانات الاخرى المعنية كمنتجين للاحصاءات الرسمية والتي يشار إليها كإحصاءات رسمية في التشريعات ذات الصلة وفي البرامج والوثائق الاحصائية، فهي الأساس في المجتمع الحديث من خلال تقديم صورة حقيقية وغير متحيزة للوضع الاقتصادي والديمغرافي والاجتماعي والبيئي والتنمية في أي بلد في العالم.. فالاحصاءات الرسمية هي وحدها القابلة للمقارنة بشكل متزايد ولأهميتها في التحليل وصنع القرار على المستويين الدولي والعالمي وبالتالي فإنه من المهم بل من الضروري أن يثق جميع المستخدمين وأصحاب المصلحة بالاحصاءات الرسمية بحيث تكون البيانات متاحة ومفهومة لجميع المستخدمين.
وحسب المادة (8) من الفصل (6) من قانون الاحصاء رقم (28) لسنة 1995م بشأن الاحصاء بإسم الشعب ورئيس الجمهورية: وبعد الاطلاع لدستور الجمهورية اليمنية وبعد موافقة مجلس النواب تم اصدار القانون آنف الذكر.. وقد ذكر في الاحكام الختامية الفصل السادس بالمادة (8) الفقرة (أ) نصا:( لا تعتبر الاحصاءات رسمية إلا إذا أعدها ونشرها أو وافق عليها الجهاز وهو الجهة الرسمية المخول لها حق طلب الاحصاءات من أجهزة الدولة والاشخاص الطبيعيين والاعتباريين.)
وبالفقرة (ب):(بإستثناء ما يتعلق بالعمل الداخلي للاجهزة الرسمية واجهزة القطاع العام.. على جميع الاجهزة والوحدات الاحصائية أو الاشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين أن ينسقوا مع الجهاز المركزي للاحصاء قبل أن يقوموا بالبحوث الاحصائية عن طريق توجيه الأسئلة أو بالاستمارات أو إصدار نشرات متضمنة معلومات أو أرقام إحصائية لضمان سلامتها ودقتها وحتى تتحقق الفائدة القصوى منها) فماذا ترى اليوم؟ تجاوز وتعدي وتحايل على القانون لاجل نمو الفساد المستدام وليس لاجل التنمية المستدامة.. مصيبة وكارثة في وطننا حينما نرى ان المسئول بهرم الدولة المشرف على الجهاز المركزي للاحصاء بموجب القانون يتجاوز القانون بكل فصوله وبنوده فأصبح الجهاز المكلف للاحصاءات الرسمية مجمدا، وعليه افتقدت الدولة للاحصاءات الرسمية فهي غير قابلة للمقارنة على المستويين الدولي والعالمي.
أن هناك قدر كبير من الاحصاءات والبيانات الاخرى من قبل الوكالات الخاصة والعامة إلا أنها لا تعد من نظام الاحصاءات الرسمية. فالبيانات التي عليها تساؤلات حول مستوى جودتها وتفتقر الى التوثيق المناسب فهي (مضللة) وتؤدي الى عدم ثقة اجهزة الاحصاء الوطنية.. ولهذا فإنه من المهم أن تكون البيانات الاحصائية التي تعتبر رسمية قائمة على مبادئ ومعايير صارمة ومحددة بشكل واضح. كما ينبغي ان يخلو منتجو الاحصاءات الرسمية من أي تضارب في المصالح الذي يمكن ان ينشأ عن طريق اسناد مهام غير إحصائية أو بعض المهام الاحصائية خارج نطاق الاحصاءات الرسمية ولا سيما فيما يتعلق بمبادئ الحيادية والسرية. كما ينبغي ايضا أن يحدد القانون استقلال منتجي الاحصاءات الرسمية عن التدخل السياسي وغيره من التدخل الخارجي في تطوير الاحصاءات وانتاجها ونشرها، سواء بالنسبة لجهاز الاحصاء الوطني أو بالنسبة لمنتجي الاحصاءات الرسمية الآخرين، وأن تكون مرتبطة بالقانون بضمانات مؤسساتية مناسبة.
كما نعلم ان الجهاز المركزي للاحصاء صدر بقانون جمهوري وبموافقة مجلس النواب بأنه جهاز مستقل حيادي وشخصية اعتبارية وذمة مالية ولا علاقة له بالجانب السياسي فهو الجهة المكلفة بجمع البيانات وتبويبها وتجهيزها وتحليلها ونشرها وتوثيق المعلومات الاحصائية واعداد المعايير والقواعد والتصنيفات والتبويبات القياسية وتصميم وبرمجة النظم المساعدة على تحقيق ذلك والتي يجب اتباعها عند اعداد البيانات الاحصائية (ارجع لقانون الاحصاء) فهي بيانات الدولة بموجب اعتماد اللجنة الاحصائية للامم المتحدة في دورتها الاستثنائيّة التي عقدت مابين 11–15 إبريل /1994م مجموعة المبادئ الاساسية للاحصاءات الرسمية للأمم المتحدة، ولكي تكون المبادئ الاساسية فعالة؛ يجب احترامها وعدم تجاوزها فقامت اللجنة الاحصائية باعادة تأكيد هذه المبادئ في عام 2013 وأقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي في قراره رقم 21/2013 المؤرخ بتاريخ 24/يوليو /2013 وتم اعتمادها في 29/يناير/2014 على اعلى مستوى سياسي حيث جاء كقرار من قرارات الجمعية العامة (A/RES/68/261).
وامام الاوضاع الذي يمر فيه الوطن من ارتفاع للفقر والجوع والهزال وصحة الام والتدهور التعليمي والصحي والاقتصادي والمعيشي والبيئي وللبنى التحتية وارتفاع الحالات النفسية والجريمة والبطالة مؤشرات تعكس نفسها على ماوصلت اليها الاوضاع وغيرها فحدث ولا حرج..مما يتوجب تحمل المسئوليّة ومحاسبة كل مخالف مهما كان منصبه وموقعه لاجل انتشال وطن وانسان من مستقبل مجهول في ظل تدهور لم يتوقف، لعدم امتلاكه لقاعدة بيانات احصائية رسمية ترتكز عليها سياسة الدولة، فكيف بالله تكون لديك تنمية؟ ورؤية مستقبلية؟ وقرار سليم؟ وانت لا تمتلك الاحصاءات الرسمية؟.
أننا أمام مافيا تعمل على طمس الواقع ليعيش الوطن <المستقبل المجهول بكل معاناته وقساوته> فمن يوقف هذا العبث للبيانات الاحصائية ولمصلحة من تجميد الجهاز المركزي للاحصاء عن مهامه وصلاحياته الوطنية المكلف بها؟ ماالهدف وما الغاية؟ أليس الجهاز عصب الدولة؟ فلماذا لا تحموه؟ نحارب الارهاب وتجار المخدرات لانهما مدمران للشعوب؟ ألم يكن التجاوز على القانون والتلاعب بالبيانات الاحصائية للدولة مدمرا؟ أن من يتلاعب بالبيانات الاحصائية.. يتلاعب بالخطط السياسية للدولة؟ ومن يتلاعب بالخطط.. فانه يبعد الدولة عن بقية دول العالم ويبعدها عن التنمية المستدامة التي نتحدث عنها يوميا ونحن خارج السرب.. انها جريمة.. واخطر بكثير من الارهاب والمخدرات..ومن لا يحترم القانون، لا يحترم دستور الدولة.. ومن لا يحترم الدستور، اخترق السيادة.. ومن يخترق السيادة فهو خائن وجزء من الحرب التي تشن على الدولة والوطن والشعب.
ومن هذا المنطلق ندعو الى القيام بورشة العمل لمناقشة التداخلات بين مرافق الدولة في المهام والصلاحيات أو نتيجة عدم الفهم للقوانين ولوائحها التنفيذية والتنظيمية منعا للتجاوزات لما لها من مضار للخطط الإستراتيجية لتضارب البيانات الاحصائية ومؤشراتها وحماية لجهاز الاحصاء المعني بالاحصاءات الرسمية للدولة يحضره وزير التخطيط والتعاون الدولي بصفته المشرف على الجهاز المركزي للاحصاء وايضا وزير الصحة والسكان، والوحدة التنفيذية لادارة مخيمات النازحين والجهات الاخرى المهتمة بالبيانات الاحصائية ومن له علاقة بالاحصاء لانهاء الاشكاليات والخلط بين مهام وصلاحيات كل منها لاجل بناء قاعدة بيانات احصائية سليمة وفقا لمجموعة المبادئ الاساسية للاحصاءات الرسمية للأمم المتحدة.
ان البيانات الاحصائية الرسمية هي المرآة الحقيقية لعكس واقعك الملموس لكل دولة عن احتياجاتك ومتطلباتك وبدونها استنزاف وفساد وعدم أمن واستقرار….
من خلف الخيمة
قلناها لكل من ظننا ان بهم حكمة تجعلهم يتقبلون النقد و دفعنا الثمن ، ونقولها اليوم للأخوة ف…