‫الرئيسية‬ تحليلات ‏ما هي متطلبات حل الصراع في اليمن  في ظل التهدئة بين الرياض وصنعاء..؟
تحليلات - أغسطس 30, 2024

‏ما هي متطلبات حل الصراع في اليمن  في ظل التهدئة بين الرياض وصنعاء..؟

المركز العربي واشنطن العاصمة – ترجمة وتصرف الموجز الاخباري

في الأول من أبريل 2022، أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، هانز جروندبرج، عن هدنة لمدة شهرين بين الأطراف المتحاربة في البلاد. وتم تمديد هذه الهدنة مرتين، كل مرة لمدة شهرين. ومع ذلك، في الثاني من أكتوبر 2022، لم يكن من الممكن تمديدها أكثر، على الرغم من استمرار الهدنة عمليًا. وظلت قنوات الاتصال بين المملكة العربية السعودية والمتمردين الحوثيين مفتوحة، مما أدى إلى زيارة سفير المملكة العربية السعودية في اليمن، محمد آل جابر، إلى صنعاء في أبريل 2023. التقى آل جابر بقادة الحوثيين ونقل تفاؤله بشأن التوصل إلى اتفاق سلام دائم. ولكن على الرغم من الجهود المستمرة، لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي. في سبتمبر 2023، زار وفد من الحوثيين الرياض والتقى بوزير الدفاع خالد بن سلمان بن عبد العزيز، معربًا مرة أخرى عن تفاؤله بشأن اتفاق محتمل، ولكن دون أي نتيجة ملموسة.

أدى اندلاع الحرب في غزة إلى تصعيد التوترات الإقليمية، مما عرض الهدنة الفعلية في اليمن للخطر. بدأ الحوثيون في استهداف السفن في طريقها إلى ميناء إيلات الإسرائيلي عبر مضيق باب المندب دعماً لغزة. وردًا على ذلك، أطلقت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون عملية “حارس الرخاء” في ديسمبر 2023 لمواجهة تصرفات الحوثيين. واصل الحوثيون استهداف السفن وحاولوا ضرب إيلات بالصواريخ والطائرات بدون طيار، ونجحوا في النهاية في شن هجوم بطائرة بدون طيار على تل أبيب. وردت إسرائيل بغارة جوية على ميناء الحديدة اليمني، مما دفع الحوثيين إلى التعهد بالانتقام.

وفي ظل هذه التطورات، تصاعدت التوترات بشكل أكبر في يوليو/تموز 2024 بعد أن أمر البنك المركزي اليمني، الذي يتخذ من عدن مقراً له، البنوك اليمنية بنقل مقارها من صنعاء في غضون 60 يوماً، وألغى تراخيص ستة بنوك مقرها هناك. واعتبر الحوثيون هذه الخطوة خطوة منسقة من قبل المملكة العربية السعودية وهددوا بضرب المطارات والمرافق الرئيسية السعودية رداً على ذلك، حتى أنهم نشروا لقطات فيديو للمطارات المهددة.

في 23 يوليو/تموز 2024، أُعلن عن اتفاق لخفض التصعيد الاقتصادي بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في عدن وجماعة الحوثي، والذي تضمن إنهاء الإجراءات ضد البنوك وزيادة عدد الرحلات الجوية من مطار صنعاء. وأشارت تقارير إعلامية إلى أن المملكة العربية السعودية حثت حكومة عدن على خفض التصعيد وإلغاء الإجراءات المصرفية. وعلى الرغم من التوترات العديدة التي قد تعرض الهدنة الفعلية للخطر، يبدو أن كل من المملكة العربية السعودية والحوثيين ملتزمون بالحفاظ عليها، كل لأسبابه الخاصة، على الرغم من أن هذا الالتزام لم يسفر بعد عن نهاية نهائية للصراع.

مصلحة مشتركة في الحفاظ على الهدنة
يبدو أن السعودية توصلت إلى استنتاج مفاده أن الحرب في اليمن لم تعد في مصلحتها. فلم يُهزم الحوثيون أو يُضعَفون؛ بل إنهم يواصلون السيطرة على أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان في البلاد. كما شوهت الحرب سمعة المملكة العربية السعودية، وخاصة بسبب مزاعم ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان واتهامات بالتسبب في كارثة إنسانية. بالإضافة إلى ذلك، يعيق الصراع المستمر خطط تنويع الاقتصاد السعودي وتنفيذ مشاريع رؤية 2030. إن العبء المالي للحرب، مع إنفاق المملكة العربية السعودية ما يقرب من 265 مليار دولار بحلول عام 2020، يعيق التقدم في المشاريع الكبرى التي تتطلب استثمارات كبيرة. وعلاوة على ذلك، تهدد هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات بدون طيار على البنية التحتية السعودية الحيوية القدرة على جذب الاستثمار الأجنبي والسياحة اللازمين لدعم رؤية 2030.

وفي هذا السياق، تسعى السعودية إلى تمديد الهدنة والتوصل إلى اتفاق سلام مع الحوثيين لمنع تحول اليمن إلى منصة لشن هجمات على المصالح الأمنية والاقتصادية السعودية. ومن شأن مثل هذا الاتفاق أن يساعد أيضًا في تأمين الحدود السعودية اليمنية، التي يسيطر الحوثيون على معظمها، وتسهيل التنسيق في مكافحة التهريب والاتجار بالبشر. وقد تأمل السعودية أيضًا أن يؤدي الاتفاق إلى تقليل اعتماد الحوثيين على الدعم الإيراني، مما يجعلهم أقل ميلاً إلى تعزيز العلاقات مع طهران، الأمر الذي من شأنه أن يقوض نفوذ الجمهورية الإسلامية في الفناء الخلفي للمملكة. إن العلاقة بين إيران والحوثيين ليست علاقة راعي-عميل مباشرة ، وتعتقد المملكة العربية السعودية أن قدرة الحوثيين على توليد عوائد اقتصادية قد تشجع على المزيد من الاستقلال عن إيران.

ويسعى الحوثيون إلى التوصل إلى اتفاق مع السعودية لترسيخ أنفسهم كقوة سياسية وعسكرية مهيمنة في اليمن.

من جانبهم، يحرص الحوثيون على التوصل إلى اتفاق مع المملكة العربية السعودية لترسيخ أنفسهم كقوة سياسية وعسكرية مهيمنة في اليمن. وبعد أن أثبتوا شجاعتهم في الحرب وطوروا قوتهم العسكرية، يسعون إلى الاعتراف بهم كممثل أساسي وشرعي للشعب اليمني. ومن المتوقع أن يهدف الحوثيون في أي تسوية سياسية داخل اليمن إلى تأمين حصة كبيرة من الحكم، وخاصة في المناطق الشمالية. كما أن رغبتهم في أن يكونوا الطرف الأقوى في حكم اليمن تدفعهم أيضًا إلى الاهتمام بمعالجة القضايا الاقتصادية كجزء من التسوية، مما يسمح لهم بتقديم أنفسهم كقوة أحيت الاقتصاد اليمني وعالجت احتياجات الجمهور بعد الحرب. ويشمل ذلك حل قضايا رواتب القطاع العام وتأمين حصة كبيرة من عائدات النفط. كما يريد الحوثيون أن تلعب المملكة العربية السعودية دورًا مهمًا في إعادة إعمار اليمن بعد الحرب.

وعلى النقيض من ذلك، من المرجح أن تكون الحكومة المعترف بها دوليا هي الأكثر قلقا بشأن التسوية، خوفا من أن تأتي على حساب مصالحها الخاصة. وتدرك هذه الحكومة أن التسوية السياسية لن تعيد سيطرتها على اليمن، بل قد تعزز بدلا من ذلك موقف الحوثيين كقوة مهيمنة في البلاد. ومع حرص المملكة العربية السعودية على الخروج من الصراع بأقل قدر من الأضرار، ترى الحكومة المعترف بها دوليا نفسها الطرف الأضعف في المفاوضات، ومن المرجح أن تُرغم على تقديم تنازلات. وقد تعزز هذا التصور باتفاق التهدئة الاقتصادية، حيث تراجعت الحكومة عن تدابيرها الاقتصادية خوفا من إعادة إشعال الحرب.

العقبات التي تحول دون التوصل إلى اتفاق
وعلى الرغم من المصلحة المشتركة بين السعودية والحوثيين في استمرار الهدنة والتوصل إلى اتفاق سلام، إلا أن التقدم كان بطيئا. وهناك عدة عوامل تساهم في صعوبة التوصل إلى اتفاق سلام دائم. وتتمثل إحدى العقبات الرئيسية في إصرار المملكة العربية السعودية على وضع نفسها كوسيط وليس طرفا في الصراع، بحجة أنها تسهل المفاوضات بين الحوثيين والحكومة المعترف بها دوليا. ويرفض الحوثيون بشدة هذا الوصف، ويصرون على أن المملكة العربية السعودية طرف رئيسي في الحرب. ويجادلون بأنه يجب التوصل أولا إلى اتفاق سلام مع المملكة العربية السعودية لإنهاء الحرب ووضع الترتيبات ذات الصلة قبل أن تتمكن أي محادثات مع الأطراف اليمنية في ظل الحكومة المعترف بها دوليا من إجراء أي محادثات. وفي حين يرفض الحوثيون التفاوض مباشرة مع الحكومة، فإنهم على استعداد للتعامل مع أحزابها المكونة بشكل فردي، كما يتضح من اجتماعهم مع أعضاء حزب الإصلاح في مقر حماس في صنعاء.

وتسعى السعودية إلى وقف الأعمال العدائية، وخاصة هجمات الحوثيين على أراضيها. وفي الوقت نفسه، يريد الحوثيون إنهاء الحرب مع السعودية، وتأمين تعويضات لأسر ضحايا الحرب، وضمان مساهمات سعودية كبيرة في إعادة إعمار اليمن بعد الحرب. وقد أدى هذا فعليًا إلى تهميش الحكومة المعترف بها دوليًا لصالح المفاوضات الثنائية بين السعودية والحوثيين. ومع ذلك، فقد طالت هذه المفاوضات، وخاصة فيما يتعلق بما يسمى ” القضايا الإنسانية “، مثل إعادة فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة بالكامل، وفتح الطرق في بعض المحافظات، وخاصة تعز.

ومن أبرز نقاط الخلاف في المفاوضات قضية رواتب القطاع العام في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. فقد تم تعليق دفع هذه الرواتب منذ عام 2016، ويطالب الحوثيون الحكومة بدفعها باستخدام عائدات النفط المتولدة من المناطق الخاضعة لسيطرتهم في شبوة ومأرب وحضرموت . لكن الحكومة ترفض ذلك، حيث تعتمد بشكل كبير على هذه العائدات، التي لا تكفي لتغطية جميع نفقاتها. ويزداد الوضع تعقيدًا بسبب التحديات الجديدة المتعلقة بعائدات النفط، وخاصة المطالب الاقتصادية والخدمية للقبائل في حضرموت، التي اتخذت مؤخرًا إجراءات عسكرية لمصادرة موارد المحافظة النفطية بسبب عدم تلبية مطالبها.

وتستمر الخلافات حول آلية صرف الرواتب، ففي حين يطالب الحوثيون بإيداع الرواتب في البنك المركزي بصنعاء لتوزيعها، تصر الحكومة على صرفها عبر البنك المركزي في عدن. وهناك خلاف أيضا حول قائمة الموظفين المستحقين للرواتب، إذ تريد الحكومة استخدام كشوف الرواتب قبل عام 2014، في حين يريد الحوثيون تحديثها لتشمل جميع موظفي الحكومة الحاليين.

ومما يزيد من صعوبة التوصل إلى اتفاق اندلاع الحرب في غزة وانخراط الحوثيين بعدها في دعم المقاومة الفلسطينية.

وتتفاقم هذه الصعوبات مع اندلاع حرب غزة وتورط الحوثيين اللاحق في دعم حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى. وقد أدى تورط الحوثيين المتزايد، والذي بلغ ذروته في عملية حارس الرخاء التي تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها لتأمين الملاحة في البحر الأحمر، إلى تصعيد التوترات. وتهدد تهديدات الحوثيين بالرد على قصف إسرائيل للحديدة، إلى جانب وعود حلفائهم في “محور المقاومة” بالرد العسكري، بتوسيع الصراع إلى نطاق إقليمي أوسع.

كما أثرت حرب غزة سلباً على المفاوضات المتعثرة بالفعل بشأن التوصل إلى حل دائم في اليمن. فالولايات المتحدة، التي كانت تدفع باتجاه وقف إطلاق النار في اليمن، دخلت الآن في الصراع مع الحوثيين، مما أدى إلى تعقيد محادثات السلام. وحثت واشنطن المملكة العربية السعودية على النظر في أزمة البحر الأحمر في مفاوضاتها وإبطاء عملية السلام. وظلت المملكة العربية السعودية ملتزمة بالحفاظ على الهدنة الهشة ــ على الرغم من التقارير التي أفادت بأنها اعترضت صواريخ الحوثيين الموجهة إلى إسرائيل ــ وتجنبت أي إجراءات من شأنها أن تعيد إشعال الصراع اليمني. وامتنعت المملكة العربية السعودية عن المشاركة في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في البحر الأحمر، ورفضت السماح للطائرات المقاتلة الأميركية باستخدام مجالها الجوي لشن غارات على اليمن، ونفت أن تكون الطائرات الإسرائيلية التي ضربت الحديدة قد عبرت المجال الجوي السعودي. وقد ساعد هذا النهج الحذر من جانب المملكة العربية السعودية في الحفاظ على الهدنة والحفاظ على الأمل في التوصل إلى اتفاق سلام دائم. كما أظهر الحوثيون رغبتهم في إبعاد المملكة العربية السعودية عن الصراع الإقليمي الأوسع نطاقاً، والتركيز بدلاً من ذلك على مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة.

خاتمة
لقد ساعد اتفاق التهدئة الاقتصادية الأخير في تخفيف حدة التوترات، وخاصة في ضوء تهديدات الحوثيين باستئناف الهجمات على المملكة العربية السعودية. وقد يمهد هذا الاتفاق الطريق لمناقشة قضايا أخرى عالقة، مثل مطار صنعاء وميناء الحديدة ونزاع الرواتب، لكن التوترات الإقليمية الناجمة عن الصراع بين إسرائيل وغزة تشكل تحديات كبيرة أمام تحقيق اتفاق سلام دائم. وفي حين تشترك المملكة العربية السعودية والحوثيون في مصلحة تخفيف التوترات والحفاظ على الهدنة الفعلية، فإن السياق الإقليمي المتقلب لا يقدم أي ضمانات بأن الهدنة ستصمد. وعلاوة على ذلك، فإن استمرار الهدنة في شكلها الحالي لا يحل العديد من القضايا اليمنية العالقة، والتي قد تنفجر في أي لحظة، خاصة في ظل الديناميكيات الداخلية المعقدة والظروف الاقتصادية والمعيشية المزرية في البلاد.

ومن المهم أيضاً أن نلاحظ أنه حتى لو توصلت السعودية والحوثيون إلى اتفاق نهائي لإنهاء الحرب، فإن هذا لن يحل بالضرورة الأزمة اليمنية الأوسع نطاقاً. إن حل الصراع يتطلب تسوية داخلية شاملة تشمل جميع الفصائل اليمنية، وهو ما يتطلب جهداً كبيراً. وتزداد هذه العملية تعقيداً بسبب التناقضات الداخلية العديدة في اليمن، وتعدد القضايا المحلية التي تحتاج إلى معالجة، ومشاركة الجهات الفاعلة الإقليمية التي تواصل دعم مختلف الأطراف في الصراع. لذلك، في حين أن الحوار السعودي الحوثي يشكل خطوة حاسمة نحو السلام، فإنه ليس سوى جزء واحد من لغز أكبر وأكثر تعقيداً يجب تجميعه معاً لتحقيق الاستقرار الدائم في اليمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

دقت ساعة سحق إيران في إسرائيل

ديفيد إغناطيوس -واشنطن بوست – ترجمات الموجز – عبدالعزيز الخميس يقول وزير الدفا…