‫الرئيسية‬ مقالات الشارع والسياسة: سلاح ذو حدين يهدد الاستقرار ويُضعف الدولة ::
مقالات - أغسطس 29, 2024

الشارع والسياسة: سلاح ذو حدين يهدد الاستقرار ويُضعف الدولة ::

ماهر باوزير

في السنوات الأخيرة، أصبح الشارع مسرحًا للعديد من الأحداث السياسية، حيث باتت الاحتجاجات والمظاهرات وسيلة شائعة للتعبير عن الغضب الشعبي والضغط على السلطات لتحقيق مطالب معينة. ورغم أن اللجوء إلى الشارع قد يبدو في بعض الأحيان الخيار الوحيد، إلا أن هذا الاستخدام يحمل في طياته مخاطر جمة يمكن أن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

أحد أبرز المخاطر لاستخدام الشارع في العمل السياسي هو تفكك النظام الاجتماعي. فبينما قد تبدأ التظاهرات سلمية، من الصعب السيطرة على الحشود الكبيرة، مما يجعل من الاحتجاجات ساحة مفتوحة للفوضى والعنف. هذا الفوضى قد تتسبب في مواجهات مع قوات الأمن، تؤدي إلى أعمال تخريبية تهدد السلم المجتمعي.

الاعتماد على الشارع كوسيلة للضغط السياسي يُضعف من مصداقية مؤسسات الدولة وإن اللجوء إلى الشارع بدلاً من الحلول المؤسسية والدستورية يعكس صورة سلبية عن قدرة الدولة على التعامل مع المطالب السياسية، ويُشجع على عدم احترام القانون. وهذا ما يُرسل رسالة بأن المؤسسات القائمة غير قادرة على حل الأزمات، مما يزيد من عدم الثقة بالمؤسسات.

كما يُساهم استخدام الشارع في تأجيج الانقسامات الداخلية بين مختلف فئات المجتمع. الاحتجاجات قد تزيد من حدة الاستقطاب الاجتماعي والسياسي، وتُعزز الانقسامات بين المؤيدين والمعارضين، مما يُعمّق الخلافات ويؤدي إلى تصاعد العنف والتوتر. وفي هذا السياق، يُصبح الشارع مسرحًا للتنافس على النفوذ والسيطرة، مما يؤدي إلى تصاعد الحدة والاستقطاب.

إضافة إلى ذلك، يمكن للاحتجاجات أن تُستغل من قبل الأطراف الراديكالية أو المجموعات التي تسعى لتحقيق أجندات خاصة بها. هذه الأطراف قد تلجأ للعنف أو التحريض لتحقيق أهدافها، مما يزيد من خطورة الوضع ويُحوّل المطالب المشروعة إلى نزاعات عنيفة، مما يزيد من تعقيد الأزمة ويُطيل أمدها.

لا تقتصر آثار الاحتجاجات على الجانب السياسي فقط، بل تمتد لتشمل الحياة العامة والاقتصادية. الإغلاق المتكرر للطرق وتعطيل الخدمات يؤدي إلى شلل في الحياة اليومية ويؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني، حيث تتكبد الدول خسائر اقتصادية كبيرة كلما طالت مدة الاحتجاجات.

أحد الجوانب الخطيرة التي تتطلب النظر بعين الاعتبار هو التدخلات الخارجية والأجندات الاستخباراتية. فالعديد من الحركات الاحتجاجية قد تكون مستهدفة من قبل قوى خارجية تسعى لتحقيق مصالحها الاستراتيجية. تُستخدم الأموال السياسية لدعم حركات معينة أو للتحريض على الفوضى، مما يضعف السيادة الوطنية ويُعزز من حالة عدم الاستقرار. هذه التدخلات غالبًا ما تزيد من تعقيد الأوضاع وتجعل من الصعب الوصول إلى حلول وطنية سلمية.

كما أن بروز قوى غير شرعية نتيجة لاستخدام الشارع في العمل السياسي يمثل تهديدًا حقيقيًا. هذه القوى قد تحاول استغلال الفوضى لتحقيق مصالحها، مما يعزز من حالة الانقسام ويهدد السيادة الوطنية والاستقرار.

من خلال النظر إلى التجارب الدولية، نرى كيف يمكن للاحتجاجات أن تقود إلى تغيير إيجابي، كما حدث في العديد من الدول التي استطاعت من خلالها تحقيق إصلاحات سياسية هامة. ومع ذلك، هناك تجارب أخرى تظهر أن الاعتماد المفرط على الشارع قد يؤدي إلى فوضى طويلة الأمد، كما حدث في بعض الدول التي انهارت فيها المؤسسات وتفكك فيها النسيج الاجتماعي.

لحل هذه المشكلات، يجب أن تُتاح حلول بديلة لاستخدام الشارع، مثل الحوار الوطني والإصلاحات الدستورية، لتعزيز مصداقية الدولة وإعادة الثقة في مؤسساتها. الحوار هو السبيل الأمثل لتفادي الفوضى ولتأكيد أن جميع الأصوات مسموعة، وأن هناك طرقًا سلمية ودستورية للتعبير عن المطالب.

أخيرًا، يجب أن يُعزز التثقيف السياسي والتوعية بين المواطنين حول كيفية التعبير عن مطالبهم بطرق سلمية ودستورية، دون اللجوء إلى الشارع بشكل مفرط. التوعية والتعليم يمكن أن يُسهما في تعزيز القيم الديمقراطية وتقوية الروابط الاجتماعية، مما يُسهم في بناء مجتمع مستقر ومزدهر.

وفي النهاية، بينما يمكن أن يكون الشارع وسيلة مشروعة للتعبير عن الرأي والمطالب، إلا أن المخاطر المرتبطة به تستدعي التفكير العميق والتخطيط الحكيم. يجب تعزيز القنوات السياسية والدستورية لمعالجة القضايا والتحديات التي تواجه المجتمعات، والابتعاد عن استخدام الشارع كأداة لتحقيق الأهداف السياسية، لضمان الحفاظ على الاستقرار والسلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

من خلف الخيمة

قلناها لكل من ظننا ان بهم حكمة تجعلهم يتقبلون النقد و دفعنا الثمن ، ونقولها اليوم للأخوة ف…