‫الرئيسية‬ كتابات القراء أبو جواد ملك المنولوجات “الحضرمية”
كتابات القراء - سبتمبر 25, 2024

أبو جواد ملك المنولوجات “الحضرمية”

أ.سامي بن عبيداللاه

قبل أسابيع أنشأ ملك المنولوجات الشاعر / سعيد مبارك بن عبيداللاه (أبو جواد) مجموعته الخاصة على الواتساب “مجموعة منولوجات بن عبيداللاه” بمعية الأستاذ/ عبدالرحمن محمد الشعيبي والتي اهتمت بتجميع وتدوين وحفظ وتوثيق بعض ما قدمه من منولوجات مغنّاة سواء من قبل فرقة البندر أو غيرها من الفرق المسرحية الأخرى التي تعاون معها الشاعر في أوقات سابقة، ومنها ما أداه سابقاً الفنان الجميل وسام بامطرف.

لكن يظل ما تم توثيقه من منولوجات أبو جواد ليس سوى جزءاً بسيطاً من إجمالي ما قدمه شاعرنا طوال مسيرته الحافلة، فإن تجرأت وقلت ربما يكون ماسجل وتغنى عبر الفنان وسام أو فرقة البندر لايصل إلى ١٠٪؜ مما كتبه الشاعر ربما أكون صائبا في هذا، رغم مسيرته الطويلة مع البندر، فقد شكل الشاعر مع فرقة البندر ثنائياً رائعاً منذ أن انضم لها في عام ٢٠٠٥م وإلى أن تركهم في عامنا هذا ٢٠٢٤م وبدون ذكر أسباب فض هذه الشراكة الناجحة فنياً والتي أعطت ماتقدمه الفرقة رونقاً وإضافة جمالية على أعمالهم التي في الأصل ناجحة فزاد أبو جواد النجاح نجاحاً ومتعة عبر منولوجاته الخاصة، وحالياً ومع إنشاء فرقة الزاهر بغيل باوزير التي يقودها الفنان الكوميدي/ عبدالله الحوري يتعاون شاعرنا مع الفرقة بجديده وقد غنى له الكثير حاضراً لايسعني ذكرهم غير القول أنهم أبدعوا في كل ماقدّم لهم من منولوجات أبو جواد، وقد لفت نظري من بينهم الفنان المخضرم لطفي وبران، فقد ظهر بتميز مع أعمال أبو جواد لما له من خبرة فنية طويلة وهو يعد من فناني الزربادي المبدعين.

أبو جواد امتاز عن غيره من الشعار بتخصصه بالمنولوجات منذ مايزيد عن ٤٥ عاماً وبرزت قصائده أكثر في العشرين العام الماضية لأنها توثقت بالتسجيل، بينما أبو جواد كان معطاء لعقدين قبلها ربما لم تحصل على حظها من الحفظ والتوثيق، وظلت حبيسة الكاسيتات إلى أن نُسيت، لكن الأمل لا يزال قائماً والأمنيات باقية لنبشها وتوثيقها بل ربما إعادة تقديمها للجمهور.

نبدة عن أبو جواد
هو سعيد مبارك ربيّع بن عبيداللاه من مواليد غيل باوزير ١٩٥٧ ميلادي، متزوج وله من الأولاد ٦ ولدين جواد وجهاد و ٤ بنات..
درس إلى الإعدادية ولم يكمل دراسته لظروف المعيشة الصعبة السائدة في ذلك الزمان، حيث عمل عاملاً عند معلم بناء، ومن ثم التحق بمؤسسة الخضار والفواكة (١٩٧٥ – ١٩٩٠م) ومن بعدها انتقل إلى وزارة الإسكان ثم إلى العقار إلى أن أحيل إلى التقاعد.

امتاز أبو جواد بصياغة أشعاره الفكاهية والساخرة والناقدة على ألحان أغانٍ معروفة مسبقاً، إذ يقوم بالتركيب عليها ومحاكاتها، وقد قال شعر (التركوب) مبكراً حيث مثّل في مسرحيات المدرسة -عندما كان طالباً- مع زملائه وكان منذ ذلك الوقت يكتب المنولوجات هو والشاعر المرحوم مبارك عوض باعامر وكان يؤديها بنفسه.

وللشاعر تجربة جيدة خاضها في بدايات التسعينات مع شعار رقصة العدة (فرقة الرحمة ومن ثم فرقة قشمر) ودخل مع الشعار (علي محمد باقحيزل وعبدالله باحارثة وعمر يسلم بافطيم بوشاكر) رحمهم الله.

نقطة:
لعقدين أو تزيد من مسيرة أبو جواد الشعرية تمت قصائد متراسلة بينه وبين الشيخ/ مبارك العبد باهمز، وهي قصائد ليست بالقليلة حتى أنني في يوم سألت أبو محمد العم الشيخ/ مبارك عنها ورميت له بشطر بيت له يوصف أبو جواد وعمله في مؤسسة الخضار “في السوق القديمة” يقول فيه:
إن بغيتوه شوفوه تحت هذي المنارة
(يقصد منارة مسجد باعلوي بالسوق القديمة)
فتبسم الشيخ مبارك ولم يرد علي بجواب غير ابتسامته، إلى أن أعدت السؤال على أبو جواد قريباً وبعد أن تم إنشاء مجموعة منولوجات بن عبيداللاه، فكانت المفاجئة: ”ياسامي عندي ملف كامل خاص بقصائدنا أنا والشيخ مبارك…“! ومبارك العبد إضافة إلى كونه إمام وخطيب ومنشد معروف ذو صوت جميل فهو أيضاً أديب مثقف وشاعر وراوي للشعر وموثق لكثير من القصائد والروايات والأحداث ومدوّن لها بخطه الجميل، وترك الكثير من المخطوطات في مجال التوثيق والشعر لم ينقب في أغوارها أحد حتى الآن، وأُهملت أعماله للأسف الشديد كما لم تحظ سيرته بالتناول الذي يليق به! وللشيخ مبارك الكثير من الأشعار الرصينة والرزينة كما امتاز أيضًا بشعر الفكاهة وله فيها من القصائد الكثير.
وإليكم شيء مما كان يدور من مراسلات بين الشيخ الراوي الموثق/ مبارك العبد باهمز رحمه الله وشاعرنا أبو جواد، وطبعا كل قصيدة تكون لها حادثة مر بها أحد الشاعرين فيعد له صاحبة طبخة شعرية بالهناء والعافية عليه:

ـ1ـ
في عام ١٩٨٩م قبل الوحدة كانت تأتي وفود من الشمال إلى الجنوب، وفي يوم جاء وفد إلى غيل باوزير ونزل بالباغ (القصر المعروف بالغيل) والسلطة دعت الشيخ مبارك العبد كونه من أعيان البلاد لهذا اللقاء في الباغ ولطول البرنامج اللقائي تأخر الغداء وصادف أن عصر هذا اليوم عقد نكاح في مسجد ذهبان والشيخ مبارك لايتخلف عن هذه المناسبات، وتكون له في العقد مشاركة إنشادية بصوته الجميل الذي أصبح من سمات عقوديات الغيل في ذلك الوقت، فلاحظ أبو جواد عدم وجود الشيخ مبارك! فسأل العم سعيد علي برعية رحمه الله، وهو شخصية اجتماعية معروفة في البلد، فأعطاه حكاية الباغ فما هي إلا لحظات والرسالة بيد عمنا مبارك!

قال بوجواد:
بو العبد في الباغ ضلّى
مع أهل الشمال والمكلا
حتى الصلاة معاد صلّى
ونهار كامل يفغشون

بو العبد دَيّة لقاها
عمره ما طعم كماها
يأكل صباعه وراها
ذه لحم مندي ومتقون

جوّب الشيخ مبارك ثاني يوم وقال:
سعيد في المسئولية
خلّى المفارش خليّة
لانّه شقابة بليّة
رجال وحريم يشكون

مابدا سمعنا كعيّس
قابل مساعد وريّس
وإلا لقى عمل كويّس
بياع دُبّة وليمون

ـ2ـ
وهذين بيتين من الشيخ مبارك العبد قالها حين اشتغل شاعرنا في مكتب الإسكان في أغسطس ١٩٩٠م والشاهد أنه في واحد ضرب بوجواد مع الزحمة في الإسكان عندما كانت الفوضى والزحمة على توزيع الأراضي.

فقال الشيخ مبارك:
ياسعيد كُل من عرافك
اللطم والدُكم لافك
ولهاس جم في كتافك
دقيت في عمَلَك ياسعيد

في المركزي كنت مبسوط
تخدم بلا قيد وشروط
ما اليوم قد صبحت مربوط
عندك ملفات ورصيد.

وكان رد أبو جواد على الشيخ مبارك العبد الله يرحمه بهذا:
حيا رحب بالقصيدة
مبارك لقاها جديدة
أبيات فيها مفيدة
لكن اللكع ما يفيد

لي لافنا الدكم غلطة
هناك اعترف في الشرطة
الرجال مسكين في ورطة
قالوا سامحه ياسعيد

اللعب على عنصر المفاجئة والتخصص فيه يصعب الاستمرار فيه ونادر من هم يبدعون في أمره.
يخلق أبو جواد تركوبه الشعري على لحن معروف، وعادة ما يكون منتقى بعناية ليتناسب مع الموضوع الذي سيتناوله ليحكم تفاصيله ويوصله كاملاً للمستمع -والقارئ إن كان كتابة- مع الرتوش الفكاهية المتجددة.

كلما سنحت لشاعرنا الفرصة لحادثة مرت به أو عاشها بنفسه
أو حكيت له وطلب منه إخراجها في منلوج فكاهي هادف فأبو جواد لها، ولايقصر معها ويعطيها حقها.

في التسعينات مع كثرةتوزيع التمور من قبل أهل الخير جزاهم الله خيرا، ويحدث أن يتم نسيان البعض فلا يصل لهم فيقع في خاطرهم هذا الأمر، وقد تناول شاعرنا الموضوع برائعة من روائعه والتي ركّب كلماتها على لحن أغنية (أتاها رسولي) وهي من الأغاني الحضرمية الخالدة، قال أبو جواد:
تمور السعودي فاسألوا عن أسعاره
لقد صك معي لما نظرتُ تناكهُ

سألتُ سؤالاً سؤلا عن مذاقه
قال طعَمْ قلتُ لا وصف لي طمعه
قال ربيبُ التمرِ أما مذاقه
فهو لذيذٌ من طَعِمْهُ اشترى له

إلى أن ختم قصيدته بما يريد إيصاله من عتب على توزيع التمور:

ولكن صحاب قصّروا في توزيعه
فبغضي لقومٍ أحرموني مذاقهُ

شاعرنا المبدع أبو جواد لديه ملكة شعرية يستطيع من خلالها أن يوصل كل ما يريد قوله من أمر الموضوع الذي سيتناوله في صورة جميلة جذابة ولذيذة غير مملة أو مكررة، وتلخص كل محتوى الموضوع في كلمات بسيطة شيقة لأنه يستخدم غالباً مفردات من عمق اللهجة الحضرمية).

في مرة قامت إدارته التي يعمل بهابرحلة وعادوا منها والأمور طيبة، وبعد يوم وإذا بأبو جواد منزل قصيدة يصف الطبخة وما كان ناقصاً من اللحم واستلم الذي كان مسئولاً عن التنسيق مع صاحب المطبخ الذي سيعد لهم غداء الرحلة وكان اسمه صالح.
قال بوجواد على لحن أغنية (لا وين أنا لا وين):

الطبخ من جروان.. يا بوي أنا
والرز جم ألوان.. يا بوي أنا
الطبخ ذوقه زين.. لاوين أنا لاوين
👇🏻😂👇🏻
ماشي كبد يابوي!
ماشي ولا وصلة
صالح لبد يابوي
الظاهر معه الشغلة
😂😂
محد نكرها طول
موظف ولا مسئول
لا وين أنا لا وين
😂😂😂

خرجت هذه الفكاهة الشعرية السعيدية وأنا أعمل في المكتبة مكتبة باسم وإذا بأصحابه يموتون من الضحك على (ماشي كبد .. و “صالح” معه الشغلة)
يقال أن صالح قعد يحلْوَف لهم مبرئاً نفسه.

وللشاعر ذكاء وتوفيق دائما في اختيار اللحن الذي سيضع عليه كلماته ويجعل المستمع في ابتسامة وتلذذ، فلا تكلف وحشو عند أبو جواد، ولا فرامل توقفه لشرح مايريد إيصاله، وأعتقد أنه قد مرت عليه مواقف عتب وزعل من البعض لجرأته في الموضوع المتناول، وقد حدث وأن ادعى عليه شخص ووصل الأمر إلى المحكمة وبرئ منها شاعرنا لأنه لم يذكر الشخص باِسمه أو وصفه الشخصي.

وقد تجرأ قديماً وفي عهد وقوة دولتنا الجنوبية ولم يبال بما قد يحدث له! بحث أبو جواد عن البّر ولم يجده فقال قصيدة على لحن أحد كوبليهات أغنية (طائر بلا ريش) أذكر منها مقطع:

البرّ يعدم.. والخمر لي في الباغ مايعدم
لكن باتشكي لمن
جم ناس في ذي المحن
وفيش عالشعب ذا فيش
بُر حبّ مافيش مافيش!

الذي قدم أعلاه من قبلي وأنا شخص غير متخصص لهذا الأمر وإنما حاولت أن أسلط الضوء على شاعر سلك طريق واحد في مسيرته وهوايته الشعرية التي تحولت إلى احتراف وإبداع ليقول مافي داخل نفسه عن نفسه وعن الناس التي تكابد وتعاني مر العيش وضنكه أو ليقول عن عادات ظهرت في مجتمعه غريبة، فينتقدها بفن مميز ممتع (التركوب أو المنولوج).

الشاعر سعيد مبارك بن عبيداللاه لم يأخذ حقه من التقدير والتكريم بعد، واللقاء الذي عمله الأستاذ القدير الإعلامي/ عبدالرحمن الشعيبي يشكر عليه كثيراً.

عذراً لعدم التنسيق وعذراً أباجواد فإلى الآن لم نشكرك على ماقدمته لنا من ابتسامة وضحكة جعلتنا نخرجها في قمة الألم والمعاناة التي نمر بها منذ عقود.

لك تحياتي وتقديري
سامي بن عبيداللاه

أجمل منولوجات بن عبيداللاه
https://chat.whatsapp.com/HjEgI7rH7Bo7cNkE7PVbgP

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

وقد يُقطع الطريق من أجل زفة!!

قلم : مطيع بامزاحم قد نتفهم أن يقطع المواطن في مدينة المكلا الشارع العام في لحظات غضب بسبب…