‫الرئيسية‬ كتابات القراء حديث الخميس ..صفحات باليستية..

حديث الخميس ..صفحات باليستية..


الموجز-خاص- يكتبه/ أحمد مسجدي


عشر سنوات ونحن في حرب صفحات ومصفحات، وصفها البعض بأنها عبثية وحينها قامت الدنيا ولم تقعد.. عشر سنوات حرب بمختلف أنواعها وتبعاتها الإقتصادية والثقافية والاجتماعية والمعيشية والخدماتية وووو… وبلغت بنا من المعاناة مبلغاً لا يطاق.. أهانت كادرنا ومعلمنا وسيدنا ومنصبنا وشيخنا ومقدمنا وعاقلنا، وأذلتهم مجبرين مكرهين للتبعية، فمن ارتضى بها اغتنى، ومن رفضها افتقر. وفي كلتا الحالتين إهانة وذل، فللراضي استحقار من المتبوع ولو صرف عليه مادياً كخدمة مؤقتة، وللرافض إكبار وتعظيم مخفي من المتبوع وإن منع عليه المادة، وتبقى نظرة الازدراء تُرمى على الاثنين.
ومما شجع على اتساع رقعة هذه الحرب انتشار صفحات التواصل الالكتروني الرسمية المدفوع عليها، والفردية المجانية، وكلها بروابطها المحمية لها.. ولهذا، أعتقد أن حرب المواقع والصفحات أكثر إيلاماً للنفس وأشد فتقاً وتدميراً للفكر من حرب المدافع والمصفحات، لأنها حرب يتابعها الكثير في جميع فئاتهم العمرية ويشاركون فيها، فهي تمجد البعض على أنهم الكل وتستقبح مزايا الآخرين وتستنكف عليهم، وتزيد من الإفراط في التفكير وما ينتج عنه، ليصبح التفكير في حد ذاته مشكلة تضاف إلى المشكلات العالقة بالبلد.
وحرب الصفحات في الأيام العشر التي مرت (13 ــ 23 يونيو 2025م) امتدت مساحتها من المحلية إلى الاقليمية والدولية، وأضحى المحارب المحلي يشهر سلاحه دون مواربة ليحتدم الصراع بينه وبين معارضيه، وإن كانت الصفحات الباليستية مداها اوسع ولا حدود جغرافية لها، وتحمل رؤوساً فكرية، إلا أن الخطاب في مجمله لا يتعدى المحلي من القول، بيد أن صاحب الصفحة يبحث عن عيوب غيره ليس لتصحيحها وتقويم اعوجاجها بل للتشهير بغريمه. ولعله بهذا السلوك المخل يحلل لقمة عيشه كما يراها من وجهة نظره..
وإذا نظرنا في تبعات الحرب الجوية بين إسرائيل وإيران من خلال صفحاتنا الالكترونية نجد أنها اتخذت حيزاً كبيراً من أخبار هذه الصفحات المحلية وانقسمت إلى أربع فئات:
١ـ فئة تهاجم إيران.
٢ـ فئة تهاجم إسرائيل.
٣ـ فئة تهاجمهما معاً.
٤ـ فئة ملتزمة الصمت.
وكلهم يقومون بمشاركة الصور والمقاطع والمنشورات التي تتفق مع ميولهم الفكرية عن هذه الحرب مهما كان مصدرها، ومنهم من يقوم بتلخيصها بأسلوبه لإعادة نشرها، ومنهم من يتابع القنوات الفضائية وينقل بعض التحليلات إلى صفحته، بينما الصامتون يقرأون ولا يكتبون، ويسمعون ولا يتكلمون.
ومن خلال ذلك يتراءى لي أن الفئة الأولى التي تهاجم إيران ليس حباً لإسرائيل بل نكاية بالنظام الإيراني، لأن في كنهها خبث خفي لاسرائيل ولا تريد انتصارها بمهاجمة إيران ولكن نظرتها نظرة مستقبلية إلى ما بعد سقوط إيران، وماهية الحكم بعد السقوط وهذا ما يتفق مع إرادة بعض الدول المجاورة ونظرتها للنظام الإيراني القادم، مع أن من أهم مخرجات وقف الحرب إبقاء النظام على ما هو عليه.. أما الفئة الثانية تنطلق من مبدأ أن اسرائيل عدو تاريخي، وعليه إظهار العداء العلني لها ومناصرة كل من يحاربها دون النظر إلى معتقده الديني.. والفئة الثالثة تنطلق من مبدأ ديني بحت يرتكز على فتاوى بعدم مناصرة أي من الطرفين كونهما أعداء للإسلام سواء المجاهر بالعداء أو المخفي له، بل تنظر هذه الفئة إلى إضعافهما معاً ولهذا تهاجمهما.. أما الفئة الرابعة فهي ملتزمة الصمت وتترقب نتائج الحرب كي تبني لها موقفاً فيما بعد، لأنها ترى أن هذه الحرب ليست أكثر من مناوشات جوية ترتكز على مصالح خاصة تفضي إلى حوارات وتفاهمات موجهة ضد الأمة بدرجة أساسية، ولهذا اكتفوا بما تخفيه القلوب من تغيير من وراء هذا الصمت.
ربما أن هذه مواقف دول تأثر بها الأفراد، ولكن هذه المواقف لم تكن بالحسبان طالما أن هناك فعل ورد فعل متقاربان في الخسائر ومتفق عليه حسبما سربه الإعلام. فأعتقد أن النتائج رسمت من قبل وجاءت مخيبة للفئات الأربع المذكورة سلفاً.. فلا تغير نظام إيران ولا انكسرت شوكة إسرائيل، ولا ضعفت قدرة الطرفين العسكرية والاقتصادية، ولا ارتبك وجودهما في المنطقة أو تزعزع بل استدرك الطرفان ما يجب استدراكه في الجمع بين عدائهما الحقيقي للأمة وبمباركة أميريكية وغربية. وستكشف الأيام تفاصيل حرب الاتفاق المسبق، وأن المقومات الأساسية للبلدين لم تستهدف وبالذات ما يخص محتويات المفاعلات النووية وإن تم الإعلان عن تدميرها.
والغريب العجيب في الموضوع أن تلك عشر سنوات، وهذه عشرة أيام، والفارق الزمني بينهما شاسع وكبير، لكن أخبار الصفحات تصارعت مع أحداث العشرة الأيام الأخيرة واكتظت بها وأنستنا معاناة العشر السنوات العجاف..
وفجأة ودون المتوقع توقفت الحرب وهدأت الصفحات وساد السكون فيها، وعاد أنيننا في الظهور تحت وطأة الخدمات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

حضرموت والخطاب التحريضي

الموجز – بقلم/ صالح علي الدويل باراس في ظل الأزمة الحالية في حضرموت لا يدري بشؤونها …