‫الرئيسية‬ مقالات عودة المضُمضُم حديث الخميس
مقالات - 2025-05-29

عودة المضُمضُم حديث الخميس


أ . أحمد مسجدي- الموجز
توقفت متأملاً في مهمة المضُمضُم في الشحر عندما كنت أقرأ كتاب (عبدالخالق البطاطي) للأستاذ محمد عمر باموسى تلك المهمة التي يجهلها ما بعد جيل السبعينيات من القرن الماضي نتيجة للتطور المعلوماتي الذي لحق بالمجتمع. حيث كان المضُمضُم يشغل موقعاً مهماً في المنظومة الإعلامية الإعلانية في تلك الفترة.. وقد شاهدت في الشحر في أواخر عهد هذه المهمة المضمضم حسن بن طرش آخر المضمضمين والملقب بـالمضلغم وهو رجل ضرير ولكنه على دراية تامة بحويف الشحر القديمة، شاهدته مرة واحدة فقط وهو يصول ويجول في أسواق مدينة الشحر بحثاً عن شاة بيضاء بها علامات سوداء بصحبة ولدها التيس الصغير والتفاصيل في قوله: (ضم ضم الشاة، ضم ضم، ضاعت على فلان شاة ويأتي بتفاصيلها وتفاصيل ولدها.. ويتابع: ومن يحصلها له حوالة).. وهذه الحوالة (ومعناها المكافأة) مقابل أكلها مدة وجودها عند من ضمها.. وأحياناً يبدأ بقوله: (ياضمضام الشاة والضانة.. ضمضم..) ثم يأتي بتفاصيل الإعلان..
وبما أن في الأمر (ضم وضم) اسمحوا لي بضم اللفظتين.. فالضمضام في اللغة، الجشع الذي يضم كل شيء إلى نفسه، وضمضم الشيء أي جمعه بعدما تفرق. وهنا نرى تقارباً في المعنى العامي منه في المعنى الفصيح.. و كثيرة هي الكلمات الفصحى التي اعتبرناها عامية دارجة بسبب كثرة تداولها بين العامة، ولا غرابة في ذلك الاستخدام.
والمضمضم لفظة شحرية منقرضة لم تعد تتداول اليوم نتيجة للتطور الإعلامي واختلاف أدوات التواصل الاجتماعي ووسائله التكنولوجية. ولكنها متأصلة الجذور في الفصحى كما سبق، من ضمضم ضمضمة بمعنى جمع ما تفرق منه، والضمضمة اسم لزئير الأسد، والضمضم أيضاً هو الرجل الجريء، ولأن المضمضم الشحري جمع بين جرأة الرجل وقوة صوت الأسد؛ فهو يصيح بصوته القوي في الحويف للإعلان عن مفقودات، فمن باب أولى ان يسمى كذلك للتقارب اللغوي.. وربما لتلك المهمة مسميات أخرى في باقي المدن الحضرمية.
وفي العصر الحديث عاد المضمضم بطريقة ارقى مما كانت عليه وبأساليب وطرائق أكثر تطوراً وبمضامين لا تمت إلى الماضي بصلة، ولكنها بقيت مقترنة بالحوالة التي سبق وأن ذكرناها كمكافأة مع اختلاف مصدرها وقيمتها المادية بين القديم والحديث.
ولو ألقينا نظرة سريعة على عمل المضمضم من حيث المادة الإعلانية ومساحة انتشارها لوجدنا للتطور التكنولوجي الحالي دواعي في زيادة هذا الانتشار من حيث العدد الكبير للمحيطين بالإعلان، فاتسع فضاؤها على نطاق واسع ولم تعد خاصة بالشحر مثل السابق بل أصبحت عامة بلا حدود جغرافية أو سياسية، وباستطاعة المضمضم أن يضمضم لمكان ما وهو في مكان آخر بعيد عنه، أضف إلى ذلك تطور الوسيلة الإعلانية من المنطوق الشفهي المباشر إلى المسموع والمقرؤ والمرئي غير المباشر في منصات التواصل الاجتماعي كرسائل موجهة تأتي إليك دون البحث عنها.
وطالما أن للقارئ حق أن يتعرف على مهمة المضمضم القديم ومهنة المضمضم الحديث بعد عودته بالشكل الحالي، مع الأخذ في الحسبان الفرق بين المهمة والمهنة، وما تؤول إليه هذه العودة من أثر بالغ الأهمية من حيث التوعية الإيجابية أو حتى السلبية على الناس.
فالمهمة أداء فردي إنساني شريف يقوم بها المضمضم بإيعاز من فرد أو أفراد آخرين بحوالة زهيدة منهم تدفع له مباشرة للإعلان عن فقدان أشياء شخصية بحتة.. بينما المهنة كعمل تكليفي من جهة معينة يقوم بها المضمضم الحديث لأغراض تخدمهم لتمرير أفكارهم وتشيعها في المحتمع، على شكل رسائل صوتية أو مقاطع فيديو بصرف النظر عن مادتها الإعلانية؛ ترغيبية كانت او ترهيبية، وبحوالة رسمية غير مباشرة بين الطرفين.. فهل تبدل الإعلان من فقدان شاة او ضأنة إلى فقدان قيم ومبادئ؟

فاعذرونا للتوقف عند هذا الحد من التفاصيل ولا أتجاوزها إلى ما لا أستطيع، لاختلاف التسمية الحديثة من المهمة إلى المهنة المضمضمة، وأترك لكم خيار التمثيل.

استدراك:
اتخذ هذا المنشور منحيين: الحديث عن الماضي وربطه بجزئية معاشة من الحاضر كإسقاط واقع لحديث الخميس، ولكنني استدركت لحظة نشره أن بإمكاني تطوير هذا المنشور عن كيفية التواصل المجتمعي في حضرموت ما قبل دخول الهاتف في الخدمة إلى بحث واسع عن الكيفية والمهمة التي تؤديها مثل هذه الخدمات ومناسباتها ومسمياتها ومسمى القائمين بها في أشهر المدن الحضرمية متى ما تسهلت لي مصادر البحث وأشرتوا لي على بعضها، إضافة إلى الاستفادة من مداخلاتكم القيمة، للحفاظ على ما يقع بين أيدينا من موروث شعبي وتدوينه.. وما المضمضم إلا نموذج من وسائل الخدمات الإعلامية الإعلانية..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

بكران : لمن الشرعية اليوم

الموجز – متابعات ‏إذا كان الانتقالي خارج الشرعية بقواته وجغرافية انتشارها وبحضوره ال…