قيمة (س، ص)….حديث الخميس
يكتبه/ أحمد مسجدي-الموجز
أتذكر ـ إن لم تخني الذاكرة ـ ان معلم العلوم ونحن في آخر المرحلة الابتدائية كان يكتب رموز العناصر الكيميائية باللغة العربية حسب ما هو في المقرر الدراسي لبدايات علم الكيمياء في تلك المرحلة، ومن تلك العناصر (الهيدروجين، الكلور، الرصاص الزنك، النحاس وووو) ويكتب رموزها على السبورة بالحروف العربية (يد كل رز نح) ونحن نتفاعل معه حتى حبب إلينا مادة العلوم على مادة الحساب والمواد الأخرى.
ولكن المفاجأة حين طلب من أحد الطلاب قراءتها، فقرأ الطالب بكل عفوية وبدون قصد: (بدوي كل رز نحا) وبسرعة البرق انتشرت عدوى هذه القراءة الخاطئة في الصف واصبحنا نرددها كما قرأها زميلنا (بدوي كل رز نحا) وحتى معلمنا يمزح بها معنا.
أعتقد أن هذه القراءة لم تأت من فراغ رغم عفويتها، فقد سبقتها تعبئة حكائية بين البسطاء عن الهوش والتقطع والحرابة، وامتدت الحكاية إلى الترهيب كالوصول إلى أكل خبز الناس من التنانير.. للأسف هي ثقافة انتشرت في ذلك الوقت نتيجة للعوز والحاجة والفاقة والتضييق وقلة المصاريف. وإن كنا قد ظلمنا تلك الفترة دون البحث عن الأسباب الحقيقية وألقينا اللوم جزافاً على طرف دون الآخر رغم وجود اتفاقات ليس هنا مجال للحديث عنها وندع جمل الماضي بما حمل ونركز على العنوان.
لما انتقلنا إلى الإعدادية انصدمنا بإيجاد قيمة (س، ص) في المسائل الحسابية التي رافقتنا إلى ما شاء الله.. نتقنها داحل المدرسة في الصباح وننسى التعامل بها بقية اليوم في المجتمع، ولكن أحياناً يصل بنا الاستهزاء بها في الشراء من الدكاكين بطلبنا شراء حاجة بسين او صاد (س، ص) وننتظر باقي القيمة، أما تكون نهرة، او لفظة غليظة في حالة الزحمة، إن لم يكن الباقي (روّح قع صمصوم). وبسبب (س، ص) منذ الصغر كرهنا الرياضيات والحساب في الكبر ولم نعد نحسب حتى مرتباتنا عند استلامها ونثق بالمعدود من قبل الصراف.
وكرهنا لـ (س، ص) وما خلفته من معادلات حسابية لا طاقة لنا بها لأنها قيم متغيرة ومجهولة وتحتاج فرضية كما قال معلمنا، ولأن الأول متغير (تابع) والثاني متغير (مستقل)؛ فأصبحنا في حيرة من أمرنا منذ تلك اللحظة إلى يومنا هذا الذي اختلط فيه حابلنا بنابلنا ولم نعد نفهم هل نحن تابعين خاضعين لسين (س)، أو محررين مستقلين من صاد (ص) كما يصفوننا؟ أو نرمي باللوم على (س، ص) ونقول أنها منزوعة القيمة الإنسانية عند التعاملات اليومية، ولهذا فلا أحد يعير لها اهتماماً لأن قيمتها غير ثابتة في المجتمع بل وفي سوق العمل وهنا تكمن المشكلة.
وحتى أتغلب على هذا الكره المصاحب لي سنوات وسنوات؛ أرسلت أحد أبنائي لدراسة الرياضيات، وللأسف كانت النتيجة اكثر إيلاماً من ذي قبل.. فبعد التخرج من الجامعة تحت شعار (أحفاد الخوارزمي) وجدته تحت قاطرات الأسماك يشتغل ـ مضطراً ـ بدرجة عامل لا مستوى دراسي له ولا علاقة له بـ (س) أو (ص) وإن تبدلت معهم الرموز إلى (y, x) وتعمقت أكثر وأكثر، ومع هذا وذاك لم ينفعهم التفاضل ولا التكامل ولا المفاضلة في سوق العمل.. وهنا أيقنت أن كل ما درسناه في السابق وما درسوه في اللاحق عبارة عن حروف رمزية لمفاهيم يتقن حبكتها من عرف للمرحلة ـ كما يقولون ـ وأجاد التعامل معها ولو بالتمرد والارتزاق.
ولو أمعنا النظر جيداً فيما سبق سنجد أننا نسبح في دوامة رمزية، فلا نحن اكلنا رز البدوي كما أكل رزنا في الكيمياء، ولا نحن استطعنا إيجاد قيمة (س) أو (ص) في الجبر والتعامل بها في المجتمع، باستثناء جبر المحبين، ولا عرفنا العلاقة بين الدالة ومشتقاتها التي شقت علينا ولا دلت على معاناتنا، وبقينا تائهين بين الحروف.
باعوم .. عودة الرمز لا الحدث ::
الموجز – خاص – أ ماهر باوزير نشرنا قبل أكثر من أسبوعين خبراً حول العودة القريب…



