‫الرئيسية‬ الموجز النفط في الجنوب : بين الفرص الضائعة وتحديات المستقبل
الموجز - مقالات - 2025-04-28

النفط في الجنوب : بين الفرص الضائعة وتحديات المستقبل

م. محمد بافضل-خاص-الموجز

النفط الخام هو أغلى سلعة يتم تداولها حول العالم، حيث بلغت قيمته الإجمالية أكثر من 1.7 تريليون دولار في عام 2016م، متفوقاً على مجموع القيم السوقية لجميع المواد الخام الأخرى كالألمنيوم والذهب والنحاس والحديد.

وفي اليمن، تمتد خارطة النفط عبر 87 قطاعًا نفطيًا تتركز معظمها في الجنوب، إلا أن 12 قطاعًا فقط منها يعد منتجًا، وتتوزع بين حضرموت (7 قطاعات)، شبوة (4 قطاعات)، ومأرب (قطاع واحد). ومع ذلك، ما تزال العوائد المجتمعية من هذه الثروات محدودة بشكل يثير التساؤل عن مدى استفادة المواطنين والبنية التحتية في هذه المحافظات الغنية بالنفط.

النفط في حضرموت وشبوة: محور الارتكاز الاقتصادي

تشكل حضرموت وشبوة اليوم ركيزتين أساسيتين للاقتصاد الوطني الجنوبي، بثرواتهما الضخمة من النفط والغاز. إلا أن هذه الثروات تحولت إلى ساحة تنافس سياسي دون أن تُترجم إلى تحسين فعلي في معيشة السكان أو تطوير للبنية التحتية والخدمات الأساسية.

تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية: قراءة مبكرة لفرص النفط وتحدياته

في عام 1988، أصدرت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) تقريرًا مفصلًا حول إمكانات النفط في جنوب اليمن. التقرير أشار إلى أن الاحتياطات القابلة للاستخراج تقدر بـ5 مليارات برميل على الأقل. غير أن حكومة جنوب اليمن آنذاك، المدعومة من الاتحاد السوفيتي، كانت تشعر بالإحباط بسبب بطء عمليات التنقيب التي يديرها السوفييت، وسعت إلى إشراك الشركات الغربية لتسريع وتيرة الاستخراج وتطوير القطاع.

وفقًا للتقرير، كانت التوقعات تشير إلى إمكانية وصول إنتاج النفط إلى 100 ألف برميل يوميًا بحلول عام 1990، و500 ألف برميل يوميًا بحلول منتصف التسعينات، مما كان سيحقق عائدات سنوية تقارب 2.5 مليار دولار في منتصف العقد.

إلا أن النفط لم يكن كافيًا لمعالجة الأزمات الاقتصادية العميقة أو لتأمين الاستقرار السياسي، خاصةً مع التوترات الداخلية والانقسامات التي غذتها المنافسة على السلطة والثروة، وسط تخوفات إقليمية من أن يؤدي تدفق النفط إلى تغيير موازين القوى في المنطقة.

انتاج النفط : إنتاج متقلب ومستقبل غامض

اليمن، في الفترة بين 1960 و2019، سجل متوسط إنتاج يومي بلغ 136 ألف برميل، فيما وصل أعلى مستوى للإنتاج إلى 457 ألف برميل يوميًا عام 2001. ومع ذلك، فإن هذه الأرقام تخفي خلفها واقعًا من غياب الشفافية وسوء إدارة الموارد، مما حدَّ من الاستفادة الحقيقية من هذه الثروة.

في حضرموت، تحديدًا من قطاع 14 في المسيلة، تم إنتاج ما يقارب مليار برميل حتى عام 2009، في حين تشير التقديرات غير الرسمية إلى وجود احتياطي قد يصل إلى نحو ملياري برميل. ومع ذلك، لا تزال المحافظة تعاني من ضعف في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء، حيث تعتمد حتى اليوم على نظام تشغيل محدود لا يتجاوز بضع ساعات يوميًا.

النفط… بين النضوب والاستدامة للأجيال القادمة

يتفق الجميع على أن النفط سلعة ناضبة، لكن انتهاء عصر النفط لن يكون فجائياً بل تدريجيًا، نتيجة للتحولات العالمية نحو الطاقة البديلة. ومن المتوقع أن يحتاج هذا الانتقال إلى عدة عقود، مما يعطي حضرموت واليمن فرصة ذهبية لإعادة التفكير في كيفية إدارة واستغلال هذه الثروة بحكمة واستدامة.

النفط، إذا لم يُستغل بطريقة استراتيجية ومستدامة، سيتحول من نعمة إلى عبء. وكما يشير الواقع، فإن كل برميل لا ننتجه اليوم قد يُنتجه أبناؤنا وأحفادنا في المستقبل، في حين أن كل برميل ننتجه ونستهلكه اليوم هو خسارة لهم غدًا.

الخلاصة

تبقى نعمة النفط رهينة بحسن الشكر والإدارة الرشيدة. وما لم تُستخدم عائداته في بناء اقتصاد متنوع ومستدام، وتحقيق تنمية حقيقية للمجتمعات المحلية، فإن المستقبل قد يحمل تكرارًا للتجربة ذاتها: ثروات تُهدر، وأحلام تتبخر.

أما آن الأوان لوقفة تأمل ومراجعة شاملة لمسار التعامل مع الثروة النفطية، بما يضمن استفادة الأجيال الحاضرة والمقبلة، بعيدًا عن الصراعات والتجاذبات السياسية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

الألعاب النارية تزين سماء المهرة احتفالا بتحرير وادي حضرموت

الموجز – متابعات زينت الألعاب النارية سماء محافظة المهرة، مساء يوم الأربعاء، حيث أضاءت مدي…